التخطي إلى المحتوى الرئيسي

إلى رشا نجّدي، بيروت


(أعيد هنا نشر رسالة إلى صديقتي رشا نجدي من بيروت، نُشرت في رسائل "صبابة وحنظلة"/ الأخبار في العام 2010" تزامناً مع إحياء الذكرى الثانية والستين لنكبة شعبنا الفلسطيني).

عزيزتي رشا،
آملة أن تكوني بألف خير،
كيف بيروت؟
أكتب لك هذه الرسالة المطوّلة ردًا على محادثتنا القصيرة عبر الإنترنت قبل أسبوع تقريبًا، كنت أود لو أنقلها لك بصوتي، لكن كما تعلمين فالاتصال الهاتفي لبيروت ليس سهلاً- يعني هاد اللي كان ناقصنا!
بالنسبة لاقتراح القانون في برلمانهم حول منع إحياء ذكرى النكبة، فبالطبع قد علمتِ أن القانون مرّ بالقراءة الأولى، مع "بعض التعديلات!" ولكن مثلما قال الشباب في الناصرة: "اللي بطلع بإيدهن، يطلع بـ...". أو مثلما قال الشباب في عكّا: "شخّرله!".

بين علنية الناصريّ و"شخرة" العكيّ، سنحيي ذكرى النكبة بالتأكيد. وسيبقى موعدنا على ما هو عليه مثل كلّ عام؛ سوف نلتقي عبر الأسلاك "الإلكترونية"، مفصولين بـ"الشائكة" منها، أنا وأنتِ مثل كلّ 15 أيار، عندما تحلّ ذكرى النكبة الثانية والستين لهذا العام، أنت في مقهى "ة مربوطة" في شارع الحمرا،  وأنا في "لاز" عكّا، تجهزين مع رفاقكِ ورفيقاتك المراسيم المتواضعة لإحياء الذكرى "هناك"؛  بعض الشموع واللافتات تحوّل "المربوطة"، "هناك"، إلى وطن، و كلمات متفرقة من قصيدة أو قصة تعيد "هُنا" إلى الحياة.. للحظات قليلة يتحد الـ"هناك" و الـ"هنا" لتسقط – ولوّ لثوانٍ – كلمة النكبة، وتبقى الذكرى، جميلة رغم عمرها الطويل، مبهجة رغم حزنها الملتف بأغاني تيريز سليمان وسناء موسى، الأغاني التي أعطيتك إياها يوم التقينا صدفةً في عمان عام 2008. كان لقاؤنا ساحرًا؛ الاسم نفسه، لعنته ذاتها؛ أغنية "حبيبة بابا رشا" للفنان المصري محمد ثروت والتي أصدرها عام 1983، فسُميت 30000 طفلة، على الأقل، بـ "رشا".(على فكرة، هل أخبرتك بأن في صفي الابتدائي كنّا ثماني طالبات نحمل اسم رشا!؟).

بلا طول سيرة.. منرجع لموضوعنا؛ سأكون أنا في عكّا، في بيتي بداية ومن ثم أذهب إلى مسرح اللاز-على اسم مازن غطاس، المسرح الذي أرسلت لك صورًا له، هل تذكرين؟ المسرح الذي أقيم في طريق الميناء بجانب "مسمكة" عزو، حيث ستقام هناك أمسية عكّا المركزية لإحياء ذكرى النكبة، بالتوازي مع العديد من النشاطات السياسية، الثقافية والفنية في فلسطين وعدا عن مسيرة العودة التي تُنظم كلّ عام في قرية فلسطينية مهجّرة، وفي هذه السنة ستُقام في قرية "مسكة".
هل ستطلبين مني مرة أخرى أن أضيء شمعة فور صعودي منصة المسرح قُبيل فقرة قراءتي لأقول للجمهور إنه في هذه الأثناء تضاء شموع عديدة في بيروت، وإن الناس في بيروت يرسلون سلامهم إلى العكّيين؟ أم أن لديك اقتراحًا آخر لهذه السنة؟

أخبريني، أين سنلتقي هذا العام؟ عمّان أم القاهرة؟
إلى أن نلتقي في بيروت أو عكّا يا صديقتي..عندما لن نعيش النكبة، سنتذكرها فقط.  
وعندها سأرسل لك رسالة في زجاجة فارغة عبر البحر، لن يمنعها أحد من الوصول إليك. رسالة؟ لا داعي، عندها لن نحتاج للرسائل، ساعتان وأكون في بيروت، والعكس صحيح!

كلّ الحب والأمل،
رشا حلوة
عكّا
24 آذار 2010


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

ريم بنّا.. التهليلة الفلسطينية الباقية

(رشا حلوة ) أذكر أني سمعت الفنانة الفلسطينية ريم بنّا لأول مرةٍ حين كان ربيعي يلامس العشرة أعوام، لا أعلم كيف وصل كاسيت "الحلم" إليّ، أو ربما لا أذكر. كان الوقت صيفًا في عكا، في غرفتي المطلة على البحر. أذكر بأني ناديت على أمي لتشاركني سماع الكاسيت، فسمعنا سويةً "يا ليل ما أطولك" وبكتْ أمي حين أخذتها التهليلة إلى كل الحنين الذي حملته معها منذ أن هُجّر أبوها من قريته الجليلية حتى ساعة انتظار العودة، التي طالت. ترتبط ريم بنّا في روحنا وذائقتنا بالتهليلة الفلسطينية والمورث الشعبي الفلسطيني. فهي أول من أعادت غناء وإحياء التهليلة الفلسطينية واحترفتها حتى يومنا هذا، بما في ذلك ضمن ألبومها الأخير "مواسم البنفسج- أغاني حُب من فلسطين"، والذي يحتوي على تهليلة "أمسى المسا"، المرفوعة إلى اللاجئين الفلسطينيين. بدأت ريم تهتم بالغناء التراثي الفلسطيني حين كانت لا تزال في المدرسة، يوم طُلب منها أن تحفظ أغاني تراثية لمهرجان تراثي في مدرستها، ونصحتها والدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ أن تغني التهليلة الفلسطينية التي لم يغنّها أحد بعد. شعرتْ وقتئذٍ أن التهاليل تلائم صوتها